كلّ مساءٍ آخذ بيد نفسى وأصعد إلى سطح بيتنا أتحدّث مع قمر القرية!
أستلقى على السّطح فاردا الوقت والّذكريات والأحلام حولى
ألفّ ورق حياتى وأيّامى سجائرَ أملؤها بتبغ الأمل وأحرق فى رمادها سلالات الهموم
كنت مستلقيا على ظهرى كاّنّنى فى مركز الكون تاركا روحى ترتع فى ملكوت الفضاء
والأيّام والأحلام والأوهام تطوف حولى ككواكب صغيرة ستندثر عمّا قليل!
فوق مدخنتين تصوّبان دخانهما "الممزوج بالأنفاس المحروقة لعمّال المصانع"إلى السّماء كأنّه ابتهال لطلب الرّزق
لمحت القمر يتهادى كزورق مثقلٍ بحمولة الضياء والحبّ فكأنّه ينادينى
أياحسن تعال واركبنى وشقّ بى أمواج هذا الليل وضباب هذه الأحلام الصاعدة من رؤوس النائمين!
خذنى بعينيك وارحل أيّها القمر!!!!
رغم أنّ القريّة اكتظت بآلاف الرّفاق سيظلّ القمر رفيقى المخلص و الأقرب إلى روحى
قمر قريتنا وجهُ لا يشبه هذه الوجوه التي هزمتها الأنوار المزورة وأكلتها جدران الأسمنت.
تنطفئ السنون تتبعها سنون ولازال قمرنا يمدنا بالحنان والحب كما لو أنه يدرب ذاكرته يوميا كي يتذكر أسماءنا ويطمئن على بقايا الحب بالرغم من تواطؤ السنين ضدنا وضد الحياة .
كنت أفكر لو أني أستطيع قراءة السطور التي دونها وهو يراقبنا ويعتنقنا جيلا بعد جيل , هذا المعمر يختزن الكثير من حكايا العاشقين والحب وحين نتمكن من التلصص عليها أعتقد أن هذا العالم سيضيء وسيفيض بالحب.
لا شيء في نوسا أجمل من قمرها, في الحقيقة القمر المنير هو كل ما تملكه قريتنا من وسائل الرفاهية ربما لأنه ارتفع بما يكفي كي يحمي نفسه من دخان المصانع و سطوة البشر.
لا شيء أجمل من القمر على صحن خدها وهي تناجيك ولا أجمل منه سميرا يخدش حياء الليل .
حتى البهائم هنا يدهشها القمر!!
كنت مستلقيا على السقف أتأمل خيوط الضوء المسكوبة من القمر أسمع هتاف كلب ليجيبه آخر آخر بنفس الوقت كأنما يرد على سؤال أو يستجيب لنداء, وكانت الحمير تفعل ذات الشيء وكنت أشعر بحنان من نوع ما تتبادله هذه الاصوات!
هل كان شيئا من الحب؟ لست أدري!
لا شيء يملأ العين في قريتنا مثل القمر, هو كل ما في القرية من وسائل الراحة! وهو في القرية يختلف جذريا عن هذا القمر الذي شنقته المدينة خارج أسوارها وتنازلت عن العشق والحب.
في ليل قريتنا الهادئ يتجول القمر بين البيوت من باب لباب و القصبة السحرية بين شفتيه يعزف عليها ألحان السحر فيهدأ الليل والناس تقديرا لهذا العازف الجميل الذي يأبى أن يشيخ كما شاخ أقرانه المعذبون في سجون المدن.
ماذا لو قرر هذا الجميل أن يترك الخدمة وطلب مرتبا للتقاعد؟
ضوء القمر هو الشيء المجاني الوحيد في قريتنا. لا يزال يبعث تلاحين العشق ولازال القلب يتبع عناقيد الضوء حتى هناك.
هذا القلب لغز قاتل لا يحل, إنه جرة مثقوبة وفمها مفتوح أبدا وعلى الرغم من أن أنهار الأرض كلها تصب فيها فإنها ستظل فارغة عطشى.
ولهذا, القلوب لا تسبع من الحب ولا تملؤها الكراهية, لا تملؤها أعظم الآمال ولا تكفيها أكوام اليأس. وهذه المضغة المعقدة التركيب هي من تقرر أن تجعلك إنسان الأحاسيس أو إنسان دارون.
في قريتنا ينضج الناس مثل القمح ويتساقطون مثل القمح وينبتون من جديد. لا يراقبهم أحد سوى ذالك الساهر المخلص.
قمر نوسا البحر, لا قمر يشبهه على الإطلاق, ليس لأنه يضيء أكثر فحسب بل لأنه يعيش بيننا وهو يعلم أن "الرعايا " لا يحاسبون على الغياب.
Read more: https://nawasa-elbahr.yoo7.com/t9805-topic
No comments:
Post a Comment